كائنات فضائية في رحلة البحث عن الأصل

إن الجمال في الفن، رهين بالقصد إلى تخليق المجتمع، ولو قدر ودار سؤال ماهية الحضارة في الآفاق، لكان الجواب” حضور الأخلاق”. وأمة بلا أخلاق، أمة في طريقها إلى (الغابة)،  شعارها ” كائنات فضائية تبحث عن  بني جلدتها “.

هل كان داروين صائبا ؟

ذكر أحد الفضلاء على سبيل الطرفة، وهو يحكي عن كائنات فضائية ــ حاشا أن تكون من عالم الإنسان ــ أن داروين(Charles Robert Darwin)، كاد يكون صائبا لو فكر قليلا، وعكس نظرية التطور التي قال بها، وذلك أن سعي إنسان هذا الزمان في إفساد البلاد والعباد، تحت مسميات شتى، على رأسها الحرية، جعله يخطو نحو غابة القرود (أشبه الكائنات بالانسان)، ولعل هذا المعنى نفسه ما ذكره الدكتور مصطفى محمود، في حين حديثه عن مملكة القردة، وهو ينعي فساد الأخلاق في المجتمع. وكأني به، ينبه إلى أن عالم الإنس  يتدحرج من حيث يدري أولايدري، في اتجاه نمط أسوأ مما عرفته الجاهلية القديمة؛ بسبب السعي في بناء مجتمع أبطال مستقبله كائنات فضائية، ليست من عالم الانسان في شيء، كأن الانسان محكوم عليه أن يترجرج بين قديم فاسد وجديد أفسد. جديد يقوم على) تبليط ( العقل، وقتل الخصوصية عنوة، وتصدير الاخلاق إلى عالم افتراضي، دونما اتجاه. ذلك العمى الذي أصاب المجتمع فأصبح بلا عقل وبلا خصوصية وبلا أخلاق، وغدا ينظر في مرآته بوجه غيره، وغيره منه يضحك. ولكم عجبت ممن يبيع عقله، ويحل (البطاطا) محله، ثم يخرج على الناس بالدفاع عن الحرية الفردية، وحقوق الانسان (الملغومة)، ناسيا أو متناسيا أنه بطل مسرحية احتفالية، يؤدي دوره بلا مقابل. فأي عقل هذا الذي ينادي عاليا بحرية الانسان في فعل ما يريد، وارتداء ما يريد، أنى شاء، وكيفما شاء، وكأن الفضاء العام غرف للنوم والاسترخاء؟

احتضار الأخلاق:

إن ما يعيشه مجتمع اليوم من مرض “احتضار الأخلاق”، حرب باردة تقتل الحضارة، حرب إبادة مجتمع وتغيير قيمه الثابتة، عبر مهرجانات  اختلال الموازين وقلة الأدب، وأفلام العشوة في سياق إحلال المنكر محل نور الهدى، وأغاني ساقطة عرجاء، باسم الحداثة والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وتصريحات زائدة دودية، عجوز شمطاء، تدعي الفن والفن من كثرة لغطها يردد ما تقول العرب عند إضاعة الوقت والجهد في ما لا طائل منه: (ضاع الليل في لضم الهيل).

      فلا جرم أن ما خالف الطبيعة البشرية والفطرة الالهية، ميت من الداخل. وإن ظهر خلافه، فلموت المجتمع الاسلامي وفقدانه مناعتة بعد أن كانت له صورة حية في التاريخ، وامتد اعتراف الأمم له بالمعيارية، تلك التي استمد أصولها من السماء.

بيع الفضيلة في سوق النخاسة:

ولذلك، فإن الاستخفاف الذي تعانيه الأمة اليوم ــ والمغاربة جزء منها ــ كان نتيجة بيع الفضيلة في سوق النخاسة، ومحاربة أهل الدار لأهل الدار؛ ذلك أن الذي يحاربنا كان منا، ثم  تنكر لوصية السماء، تلك التي حملت للإنسانية نورا بعد ضلال، وأخرجت عالم الناس، من ظلمات بعضها فوق بعض، إلى نور الله الحق المبين.

      صحيح أننا لا نفهم في الفن، ولكن الفن يفهمنا، يفهم من يخاطب، إنه يقدر الزمان، ويحسب للمكان حسابا، ويخشى أن يهبط إلى المستنقع، ولذلك يكون العجب كل العجب ــ ولسنا نعمم ــ أن نتحث عن رسالة الفن، والفنان نائم، أو مجنون، أوصبي غير مميز. فأي رسالة تلك التي سيحملها من يحتاج إلى رسالة؟ ولله در الشاعر حين قوله:

متى يستقيمُ الظلُّ والعودُ أعوج ……. وهلْ ذهبٌ صرفٌ يساويهِ بهرجُ

ومنْ رامَ إخراجَ الزكاة ِ ولمْ يجدْ……… نصاباً يزكيهِ فمنْ أينَ يخرجُ

      إن معيار استمرار المجتمع، قوة القيم ومدى تأثيرها، وقد أكد هذه الحقيقة غير واحد من أهل العلم، فهذا “ويل ديورانت William James Durant ” في” قصة الحضارة ” ــ مثالا لاحصرا ــ وهو بعيد عن جغرافية العالم الاسلامي وثقافته، يؤكد ” أنه قد وجدت في التاريخ مدن بلا قلاع ولا حصون ولا مدارس، ولكن لم توجد أمة بلا معابد” وتلك إشارة قوية إلى أن “الدين حقيقة الخلق الاجتماعي في الأمة” بعبارة الرافعي في “وحي القلم، ج3، [اللغة والدين العادات]”. ومن ثم فإن “الــلادينية” مذهب فاسد شاذ والشاذ لا يقاس عليه.  وذلك بعض ما توصلنا إليه من خلال بحثنا لنيل شهادة الاجازة بعنوان” نشأة الدين بين المنهج الرباني والمنهج الفلسفي”.

       إن الجمال في الفن رهين بالقصد إلى تخليق المجتمع، ولو قدر ودار سؤال ماهية الحضارة في العلالي، لكان الجواب” حضور الأخلاق” لأنها رئة عالم الناس (فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا). وأمة بلا أخلاق، أمة تحققت وجهتها إلى (الغابة)  شعارها ” كائنات فضائية تبحث عن  بني جلدتها “.

معذرة:
( لَيْسُوا سَوَاءً، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّـهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُومِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‌ وَيَأْمُرُ‌ونَ بِالْمَعْرُ‌وفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ‌ وَيُسَارِ‌عُونَ فِي الْخَيْرَ‌اتِ وَأُولَـٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) آل عمران [113/114]

تحية طيبة لكل ذي قلب حي

وقعه قلمي، عزيز هادي


تحتوي هذه المشاركة على 2 من التعليقات

  1. zoritoler imol

    Great work! This is the type of information that should be shared around the internet. Shame on Google for not positioning this post higher! Come on over and visit my web site . Thanks =)

اترك تعليقاً