الدراسات الاجتماعية عند مفكري العرب

لقد ذهب الفارابي إلى أن العقل، هو المعيار الصادق في السلوك، فيما أكد ابن خلدون على “الاتجاه الموضوعي” و”المناهج الموضوعية” في فهم سلوك الجماعة البشرية.

سبق أن قاربنا في شكل فرش تمهيدي، مفهوم الدراسات الاجتماع، والعلوم الاجتماعية، والواقعة الاجتماعية، عند عديد من الفلاسفة الغربيين. أما هذه الورقة فقد خصصناها للإشادة بالتفكير الاجتماعي عند مفكري العرب ومنهم الإمام الفارابي وعبد الرحمن ابن خلدون.

•  فكيف قارب كل منهما “ السلوك الاجتماعي ” ؟
• وما هو السياق العام لاختلاف وجهات النظر عند مفكري الإسلام في تحليل موضوعات علم الاجتماع وقضايا المجتمع البشري ؟

لقد ذهب الفارابي إلى أن العقل، هو المعيار الصادق في السلوك، فيما أكد ابن خلدون على “الاتجاه الموضوعي” و”المناهج الموضوعية” في فهم سلوك الجماعة البشرية[1]. وهو ما يفيد أن كلا منهما كان له مسلك خاص به في فهم السلوك الاجتماعي وتحليله. أما الفارابي فيمثل أنصار الاتجاه العقلي في التفكير الاجتماعي عند علماء العرب، والذي يقرأ كتابه ” المدينة الفاضلة ” يجد أنه نظريته من خلال الكتاب صاغها في ضوء المنهج السالف ذكره وذلك المنهج العقلي استنادا إلى المبادي السامية للإسلام.

ومن الموضوعات التي ناقشها الفارابي، الضرورات الاجتماعية للمجتمع البشري، تقسيم المجتمعات البشرية، البناء الطبقي، تقسيم العمل، ونسق السلطة.

تأثر الفارابي بالفكر الإسلامي في تفسيره للمجتمعات البشرية، خاصة ما يتعلق بمبدإ العالمية أو الدولية، فرفض فكرة القوميات، والدول المتطاحنة”[2].

أما العلامة ابن خلدون فيمثل أنصار الاتجاه الموضوعي القائم على المناهج الوضعية في فهم السلوك البشري وتفسيره[3]. وقد رفض أن يكون العقل معياره الوحيد في النظر إلى الأمور والأشياء، فاتخذ من المناهج الموضوعية أساسا لتناول الظواهر الاجتماعية، ومن ثم تقرير حالها، وحال المجتمع البشري.

 وقد أكد بعض مفكري الغرب كـ ” أبراهام ABRAHAM ” أن ابن خلدون قد استخدم تقنيات حديثة في التفسير والتأويل، فوضع المبادئ الأساسية لتفسير الظواهر الاجتماعية والحوادث التاريخية[4]. وإليه ذهب أيضا غير واحد، أمثال ” جاستون بوتول Gaston Butol ” و ” هوارد بيكر”.

وهذا إنما يدل على أن ملامح التفكير الاجتماعي عند ابن خلدون كثيرة جدا. من قبيل حديثه عن العمران البشري، ومن قبيل حديثه عن الأبعاد النظرية لدراسة الظاهرة الاجتماعية، التي اعتبرها الموضوع الأساسي لعلم الاجتماع[5]، وبه يتأكد ما قلناه قبل عن العلاقة بين العلوم الاجتماعية والواقعة الاجتماعية.

هذا وقد أشار ابن خلدون إلى تعدد جوانب الظاهرة الاجتماعية واتساع نطاقها وتعدد أنواعها، وهو ما عرض له بتفصيل من خلال المقدمة كما هو الشأن في الباب الأول من الكتاب الأول، الذي عرض فيه لأثر العوامل على الظواهر الاجتماعية، حيث كتب يقول: ” فلا بد من اجتماع القدرة الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت لهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف[6].

اتسمت الدراسات الاجتماعية عند ابن خلدون بالنزعة التجريبية ( أي بفحص الحقائق الجزئية والحوادث الطارئة ) كما غلب عليها أيضا إضافة إلى المنهج الموضوعي المنهج المقارن والمنهج التاريخي. أما المقارن فمؤكد في دراسات ابن خلدون من خلال عرضه لمختلف الظواهر الاجتماعية التي لم يعايشها. وأما التاريخي فواضح من خلال أن تلك الظواهر المجتمعية ترجع إلى حقب تاريخية متباينة[7].

            تحية طيبة وشكرا على زيارتكم للموقع….

الموضوع القادم ” إشكالية تحديد موضوع علم الاجتماع

     بقلمي، عزيز محمد هادي .

[1] .  علي سالم، مقالات في المنهج السوسيولوجي، ص 261

[2] .  جودت أحمد سعادة، منهج الدرسات الاجتماعية، ص 39

 [3]  جودت أحمد سعادة، منهج الدرسات الاجتماعية، ص ص 153-155

[4] . فادية عمر الجولاني، مبادئ علم الاجتماع، ص 157

[5] . فادية عمر الجولاني، مبادئ علم الاجتماع، ص ص 158 – 161

[6] . عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ص 46

[7] . فادية عمر الجولاني، مبادئ علم الاجتماع، ص ص 163 – 164

المراجع:

1.  علي سالم، المنهج السوسيولوجي عند دوركهايم، منشورات كلية الآداب، فاس، ص 261
2.  جودت أحمد سعادة، منهج الدرسات الاجتماعية، دار العلم للملايين، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1984، ص 39  
3.  فادية عمر الجولاني، مبادئ علم الاجتماع، قسم الدراسات الاجتماعية، كلية التربية، جامعة الملك فيصل، مؤسسة سباب الجامعة، 1993، ص 157
4.  فادية عمر الجولاني، مبادئ علم الاجتماع، ص ص 158 – 161
5.  عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحقيق درويش الجويدي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، طبعة جديدة ومنقحة، الطبعة الثانية، 1420هـ / 2000م، ص 46