مقاصد المكلف: إشكالات معرفية ومنهجية  

إن القيمة التشريعية للمقاصد عامة، تتجلى فوق ارتباط قصد المكلف بقصد الشارع طرديا. في ارتباط قصد المكلف بالقصد الاجتماعي، ومباحث كثيرة أهمها نظرية القصد.    

تقديم:

ينطرح السؤال عن المقاصد الشرعية عموما، وعن مقاصد المكلف خصوصا معرفيا ومنهجيا، أما مقاصد الشريعة العامة، فقل إنها تكاد تكون قتلت بحثا ليس إلا بعض ما ينضاف إلى بنائها النظري على سبيل التكميل والتزيين.                              

أما مقاصد المكلف فبقي معها هذا الإشكال – المعرفي المنهجي- بحكم قلة من بحث الموضوع، قاصدا إلى وضع بناء نظري واضح المعالم. وبحكم ارتباط الموضوع بجزئيات كثيرة من الدين، قل إنها أساس الدين كله. ومن هذا المنطلق، كان البحث في قصد المكلف، بحثا في تفاصيل الشريعة العامة والخاصة، كونها وضعت للإنسان، من حيث هو مكلف حقيقة أو حكما.                                 

  وهذا الذي ننبه عليه في هذه المناسبة، محض إشكال ما يزال عالقا، وسيظل- في تقديري المتواضع – ما كان الجهد المستفرغ لتجاوزه فرديا لا جماعيا.

 وذلك معناه أن البناء النظري لمعالم قصد المكلف، تنضاف إليها معالم بناء نظري لقصد المكلفين أمر في غاية التعقيد ليس معرفيا أكثر ولكن منهجيا.                                                          

قصد المكلف: إشكالات معرفية ومنهجية.

       إن الجانب المعرفي، إذا سلمنا بارتباط قصد المكلف بكثير من تفاصيل الشريعة، لأن الشارع إنما وضع الشريعة للمكلف قصدا، يضعنا أمام التراكم المعرفي في حقل الشريعة. والإشكال هنا ليس في هذا التراكم، وإنما الإشكال في كيف ينتظم في سلك من المعالم حتى يشكل بناءا نظريا – كما نرغب – يساعد على تخطي عقبة المعلومات المتناثرة من دون القصد إلى بنائها بناءا محكما، وذلك الجانب المنهجي.               

 من هنا يظهر أن الاجتهاد المقاصدي عموما أمر ذو بال. وقد علمنا من خلال البحث ان إيلاء الجانب الاجتماعي حظه من الدراسة، من الأهمية بمكان، وما أحسب أن أحدا حاول بناء إطار نظري لقصد المكلفين، ليس إلا بعض التنبيهات عند القدماء والمحدثين عن ارتباط المقاصد بالنجتمع عموما كما باللأ فراد خصوصا. وهذا مثل ما ظهر عند الإمام الشاطبي في الموافقات، ومثل ما ظهر عند الإمام القرافي في الفروق . ومن المعاصرين على سبيل التمثيل الإمام الطاهر بن عاشور الذي كتب في: مقاصد الشريعة وقضايا التنظير الإجتماعي.

ولذلك فإنني أمام عمل تركيبي منهجي، غايته وضع مفاصد المكلفين في وعاء المقاصد الشرعية،حتى تأخذ شكلها وتحتل موقعها ضمن عنوانها العام، واحسب أنني وقفت على شيء من ذلك ولله الحمد.     

   الصفة الضابطة للمقاصد:                                                   

       إن الصفة الضابطة للمقاصد – في ظني –لا تكون إلا وفق بناء متوازن محكم يجمع بين أصالة الفكرة وراهنها ومآلها. إذ فهم المقاصد في إطار أصالتها فقط، بعض التقصير  في بلوغ كمال التصور المقاصدي وصلاحه لكل آن . لذلك كان لا بد من خوف المجتهد المقاصدي فوت اعتبار الحال والمآل ضابطا في البناء للمقاصدي ينضاف إلى ذلك توسيع مداركه لبحث ضوابط أوسع، في إطار المقاصد دون الجمود على المسطور  والمنقول لأن من خصائص المقاصد أنها نتاج مرحلة.  فكان ينبغي مراعاة  الأصالة والراهن معا، لتكون المقاصد إزاءه مواجهة وحاكمة  من وجه، ومضيقة من حجم الثغور التي قد ينتبه إليها من وجه آخر.

  بيان ذلك أن المجتهد لا ينبغي له أن يحكم على فعل من أفعال المكلفين، ما تعلق الأمر بالاجتماع البشري كما بالشريعة، إلا  بعد نظره في الفعل عموديا وأفقيا. أما عموديا : فتلك علاقته بمقاصد ربه أي بقصد الشارع، وأما أفقيا: فتلك علاقته بالمكلفين غيره وذلك القصد الاجتماعي . أما بيان الجهة الأولى فقد تم. وأما بيان الجهة الثانية، فأستشهد بقول الإمام الشاطبي إذ يقول :” إن الشريعة ينبغي أن تفهم على معهود الأميين في الخطاب” على أن أقيس عليه فأقول :                           

 إن قصد المكلف ينبغي أن يفهم على معهود الأميين في الخطاب،  أي على وفق القصد الاجتماعي ما كان مطردا ومنضبطا. فإن كان مطردا ومنضبطا شهد له بالاعتبار، وإن لم يكن فبالإلغاء واعتماد قصد المكلف وهذا الذي نبهت عليه، يشهد له من الشرع:                

–  أن العادة محكمة(1)  وهي قاعدة شرعية وضابط له مكانة في هذا البناء النظري.             

–  دليل القياس، وأحسب أن القياس التي اعتمدته صحيح، لأنه يؤسس لمصلحة المكلفين عموما، والشريعة إنما وضعت لمصلحتهم في العاجل والآجل.                                    

ومن العقل: أن العقل لا يناقض أن تفهم مقاصد المكلف على وفق الخطاب الجماعي االمشترك.                                                                                                    

  • أن المكلف مكون من الجماعة وخطابه وأفعاله بمقتضي الإلف والانفعال مكتسبة في غالبها، اللهم إلا ما خرج عن مقتضى الخطاب الجماعي، فإنه ينظر فيه، في إطار علاقة قصد المكلف بقصد الشارع.(2)                                                                                   

     وهذا إنما يدل على أن المجتهد فوق أنه على درجة عالية من الفهم، والقدرة على التكييف الشرعي بين الحكم والفعل على مقتضى المصلحة الشرعية، تلزمه أمور، هي مقصود أعظم، الجهل بها قد يوقع  المجتهد في غرائب يوقع بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما ذلكم المقصود الأعظم ؛ فتلك ضوابط أو شرائط لابد من تحصيل العلم بها على الأقل، هذه أهمها :                                                                                     

– أن معاني الأفعال لا تغني عن معرفة مقاصد المكلفين. يشهد له فهم قصد المكلف على معهود الأميين وقد تم.                                                             

– أن مقاصد المكلفين لا تغني هي الأخرى عن معرفة أحوال الناس يعضده شرط اعتبار المجتهد بلديا، ومن العلماء من ذهب إليه.                                                       

– نوط الأفعال بالمعاني والمقاصد لا بالمظاهر والأشكال مع مراعاة خصوصية الظرف تعضده قاعدة العبرة بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني.                                       

         كل هذا نقول، والقصد منه- لا تحصيل للحاصل كما يقال – إنما تطوير مناهج الاستنباط العقلي، والتدليل على أن البحث الذي نحن بصدده، ليس محض بحث معرفي، وإنما هو إضافة إليه أنه بحث وظيفي، نتغيى أن نحدث به تغييرا اجتماعيا في السلوك الفردي خاصة والاجتماعي عامة، وذلك فرد نرجو أن يكون ناجزا متحققا.  

 هذا وإن الحديث عن مقاصد المكلف ينطلق أيضا، من واجب اعتماد العقل شرطا في التكليف وهذا ليس بدعا من الكلام، فإن القصد وضمائمه دليل العقل، وهو مناط التكليف وأساسه إلى جهة الاسلام والبلوغ، وعليه، فحيث يوجد العقل يوجد التكليف وحيث لا فلا .    

      ولما كان العقل والتكليف موجودان بشكل طردي، بل وهو الذي يعطي للإنسان صفة الإنسان الواعي المدرك، وللمكلف صفة التكليف، فما موقع العقل إزاء مقاصد الشارع سبحانه؟ كيف تصدر المقاصد عن العقل؟ وهذا ينبه على سؤال آخر يقع فلسفيا ووجوديا وهو  ما محل الإرادة والقصد البشري إزاء قصد الله سبحانه ؟ كيف تفهم إرادة الإنسان ؟ هل يمكن القول بتعارض الإرادتين ؟ هل يمكن التسليم باستقلال الإنسان بإراداته ؟ أم أن الله سبحانه هو المريد لكل شيء دون سواه بمقتضى قوله عز وجل ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول  له كن فيكون) ما هي إرادة الله سبحانه؟ أهي إرادة قدرية كونية تعلوا الإرادة التكليفية التشريعية أم كل منهما بخصوصيته؟ إذا كانت إرادة الله سبحانه إرادة حقيقية فماذا نسمي إرادة البشر إذن؟ هل وجودها وجود حقيقي، أم أنها عارية تابعة للوجود الأول؟ تلك أسئلة تم بحث بعضها وبقي البعض الآخر قيد المتابعة. على أمل بنائه بناء نطريا محكما يمكن نظمه في إطار نظرية واضحة المعالم، يرفع إشكالا اضطرب الإنسان الانسان منذ أخضع قانون الأفعال البشرية – أفعال القلوب وأفعال الجوارح- لمنطق العقل الذي لا يستطيع تعقل ما يراه متناقضا ربما، ليس به. ولا يقال : إن هذه غريبة فك أسرها. لأنني لم أقصد جمع المعلومات بشأنها وحسب، وإنما قصدي إلى جانب تقميش المعلومة ضمها إلى نظرية المقاصد ما دامت نظرية تتعلق بالقصد أو الإرادة. وقد حاولت ولازلت أرجو الله سبحانه ألا يجانبني الصواب إنه سميع مجيب.    

      هذا ولما كانت مقاصد الشريعة  الاسلامية متعددة الضمائم، كان من الإنصاف تقرير حقيقية أن معظم الكتابات الفقهية والأصولية نالت حظها من التأصيل لفكرة المقاصد… بيان ذلك أن المقاصد قد يعبر عنها في أحايين كثيرة بإطلاقات متغايرة ومنها مثالا ليس حصرا:

– الحكمة –المصلحة –نفي الضرر ورفعه- دفع المشقة، رفع الحرج والضيق، تقرير التخفيف والتيسير -الكليات الشرعية-الكليات الخمس – المصالح الثلاث -معقولية الشريعة وتعليلاتها وأسرارها –المعاني- الغرض،-المراد والمعزى وهي بجميعها مرتبطة بالمكلف.

     وختاما يمكن القول، إن القيمة التشريعية للمقاصد عامة، ولمقاصد المكلفين، تتجلى فوق ارتباط قصد المكلف بقصد الشارع طرديا. في ارتباط  قصد المكلف بقصد المكلفين، وفي علاقة القصد الفردي والاجتماعي بنظرية القصد” وتلك الإرادة القدرية الكونية والتشريعية التكليفية ”                                                         

بقلمي، عـزيـز هــادي                                            

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   فإن قيل : ما قلتم به يعطي أن قصد المجتمع مقدم على قصد الشارع. قلت : كل في مقامه مقدم على قصد المكلف، وإذا فهم أن القصد الاجتماعي مقدم على قصد الشارع فليس تقديم تشريف وسعي وراء الحظوظ، وإنما هو تقديم تكليف وتعبد، لأن الشارع إنما وضع الشريعة للمصلحة والشريعة من أسست لاعتماد العرف والعادة.                                         

(2)   كما تشهد له فروع القاعدة نفسها مثل : الحقيقة تترك بدلالة العادة- المعروف عرفا كالمشروط شرطا…


تحتوي هذه المشاركة على 11 من التعليقات

  1. zoritoler imol

    hello!,I like your writing so much! share we communicate more about your article on AOL? I require an expert on this area to solve my problem. Maybe that’s you! Looking forward to see you.

  2. israelxclub.co.il

    Itís hard to come by well-informed people in this particular subject, however, you seem like you know what youíre talking about! Thanks

  3. instagram buy followers

    Hello my family member! I want to say that this
    post is awesome, nice written and come with approximately all significant infos.
    I’d like to peer more posts like this .

  4. I was suggested this web site by my cousin. I’m not sure whether this post is written by him as no
    one else know such detailed about my trouble. You are incredible!

    Thanks!

  5. Simply wish to say your article is as amazing.
    The clearness on your submit is just great and i can think you’re knowledgeable
    on this subject. Well along with your permission let me to grab your feed to keep up to date with
    drawing close post. Thanks a million and please continue the gratifying work.

  6. Howdy! Do you use Twitter? I’d like to follow you if that would be okay.
    I’m definitely enjoying your blog and look forward to new updates.

  7. skdjht3eigjsfdgfddf.com

    I am extremely impressed with your writing skills as well as with the layout on your weblog.
    Is this a paid theme or did you modify it yourself?

    Either way keep up the nice quality writing,
    it’s rare to see a nice blog like this one nowadays.

اترك تعليقاً