مشروع إبادة التدين أم تطرف التجربة عفوا.

إن التطرف”terrorism” قديم يتجدد، ليس وليد اللحظة كما قد يعتقد البعض، بل هو ضارب في عمق التاريخ، متغلل في حاضر عالم الإنسان.

صناعة الدواعش – خلفيات المراجعة.

إن التطرف”terrorism” قديم يتجدد، ليس وليد اللحظة كما قد يعتقد البعض، بل هو ضارب في عمق التاريخ، متغلل في حاضر عالم الإنسان، مستشرف مستقبله برغبة أكيدة في الاستمرار، ولذلك أزعم أن الداعشية الجديدة لم تكن إلا استمرارا لداعشيات كثيرة عاشها الإنسان عبر التاريخ، لأن واقع الإنسان عبر العصور، كان مستصحبا لمناخ ساعد في ظهورها وذلك الفقر أوالجهل، أوهما معا.

ولأن التطرف extremism خروج عن حد الإعتدال على مستوى المفاهيم والتصورات  السلوك، متى تمكن من مجتمع أحدث فيه انقلابا تضطرب معه الحياة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. فقد جاءت الدعوة إلى مراجعة التربية (الدينية) بالمغرب على المستوى الرسمي تفاعلا مع تحذير بعض من لهم صوت في استشراف المستقبل  من خطر تنامي الحركات المتطرفة عبر العالم “Daesh” ، وإن كانت هذه الدعوات في العمق مؤطرة بتوجه ليبرالي يهدف إلى احتواء العالم، وتنميط قيمه حتى يصبح العالم بدون خصوصية أوهوية مميزة. وإن كان آخرون يربطون سياق الدعوة إلى المراجعة بورش إصلاح منظومة التربية والتكوين الذي قدمته الحكومة المغربية على امتداد الفترة ما بين عامي [2015/ 2030م].

خلفيات مراجعة النص الديني:

غير أن ما يمكن أن يستفزنا في أمر المراجعة أحد ثلاثة أمور أو جميعها:

  • الأول خلفيات المراجعة والتعديل.
  • والثاني نوع المراجعة ولجنة التقويم.
  • والثالث طبيعة من سيتولى تنفيذ برنامج التربية الاسلامية والتأطير فيها في المستقبل القريب.

 أما “أصل المراجعة renewal of religious discourse ” كمفهوم يؤسس للتجديد فمن ثوابت الدين وذلك مما يعطي الدين طابع الخلود والاستمرار في الزمان والمكان، وحيث إن الكتاب المدرسي اجتهاد بشري لايمكن أن نختزل من خلاله أمر الدين كله، فمراجعته والقصد إلى تكييفه مع متطلبات الواقع ورهاناته أمر تعصم مراعاته من خطر تقديس العقول في فهمها للنص القرآني أو الحديثى أو السيري. وهو مما يمكن تأطيره ضمن ضرورة إعادة تقويم التراث الإسلامي  Re-evaluating the Islamic heritage، لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال إثبات تهمة تحريض الكتاب المدرسي على التطرف وإسهامه في صناعته، فهذا من العبث الذي لا يمكن القبول به ألبتة ولنا أن نحتكم إلى الواقع بلغة كثير من علماء المقاصد ـ من المعاصرين ـ لنعرف من خلاله طبيعة الارهاب والارهابيين ومن أي المدارس أخذوا علمهم ومن يؤطرهم ويوجههم ذلك التوجه المتطرف.

هذا وإن كان يبدو أن الاستعاضة بالتربية الدينية عن الإسلامية، واقعي بنسبة معينة كما يرى بعض المحللين لسؤال المراجعة، لماذا وكيف؟ تحت ذريعة أن  المغرب مغرب الثقافات والحضارات والمعتقدات وبسند قوي يتمثل في المبادرة الملكية، إلا أنه من باب المراهقة الفكرية أن تقصد العقول المريضة إلى الطعن في الدين بما فيه ومن فيه رغبة منها في كتاب للتربية الإسلامية يستقدمون نسخة منه في أحلامهم الوردية وكأننا بهم كائنات فضائية تبحث عن دين جديد وتدين بمواصفات تلائم حظوظ  النفوس وأهواءها.

 وهذا الذي ذكر لا نناقش به أصل المراجعة كما تقدم فإنما هو مما يحقق للشريعة خلودا وديناميكية أكثر وصلاحية وامتدادا عبر الزمان والمكان. ولكن القصد بيان  خطورة “نوع المراجعة” تماما كما يؤكد علماء الأمة على خطورة أمر الاجتهاد والحكم باعتباره موضوع منهج صارم.   

هل من الضروري مراجعة النص الديني؟

 ومع التسليم بضرورة مراجعة اجتهاد المجتهدين وثقافة المفكرين إلا أن مراجعة الكتاب المدرسي ليست وصفة سحرية يمكن أن نصنع من خلالها التلميذ الذي نريد، وإن كان يؤدي دورا مهما في التوجيه والإرشاد، وتطوير أداء المتعلم علما وسلوكا ووجدانا، كما لا يمكن أن نحمله فوق طاقته وذلك صناعة التطرف، لأن القيم التي يمكنها أن تسهم في ترسيخ ثوابت الدين والتربية على المواطنة وحقوق الانسان لا يمكن إلا أن تقارب من خلال جميع ما من شأنه أن يتحكم في حركة الواقع ونقصد جملة المؤثرات التي تتد اخل بشكل قوي في صناعة شخصية الطفل قبل ولوج المدرسة وفي فترة تعلمه وبعد استكمال دراسته منها. وإلا فنسب تهمة الإسهام في صناعة الارهاب للكتاب المدرسي يشبه إلى حد كبير قصة الذئب مع الحمل (صغير الخروف) ، إذ كان الذئب يشرب في العلالي والحمل في الأسفل فقال له الأول إنك تعكر علي الماء.

وبعيدا عن مجاراة الدعوات العلمانية Laïcité التي أرادت أن تستغل الخطاب الملكي لخدمة مشروعها الشيطان فإنني أنبه من باب الأمانة والإنصاف إلى أن الكتاب المدرسي للتربية الإسلامية يتماشى مع توصيات التوجيهات التربوية بشكل كبير جدا ويهدف إلى بناء قيم الهوية المغربية والمواطنة وحقوق الانسان ، كما يهدف إلى بناء شخصية تؤمن بالانفتاح والتعايش والفاعلية ولنا أن نسأل الكتاب المدرسي ليجيبنا  صراحة أو ضمنا عن صحة ما ذهبنا إليه؛ فمن دعوة إلى التعايش  في إطار وحدة العقيدة والمصالح الإنسانية المشتركة common human interests كما يؤكد على ذلك الدرس الأول من دروس الجذع Common trunk المشترك، إلى بيان أهمية التخلق بالأخلاق الفاضلة من خلال الاستفادة من مقتضيات صفات الله تعالى الواجبة والمستحيلة، ومن التأكيد على بعض خصائص التشريع الإسلامي كالربانية وما تقتضيه من شمول وعالمية وتوازن وانفتاح إلى بيان قيمة الوعي بفلسفة العبادات الشرعية وآثار الاستفادة منها على الفرد والمجتمع. وهي من القيم التي من شأنها تغذية المعارف والسلوك والوجدان.

وإذا تجاوزنا مفاهيم ومكونات مادة التربية الإسلامية على مستوى الجذع المشترك إلى مستوى آخر ذو طابع فكري في شقه الأول، فقهي في شقه الثاني، وجدنا قيما إنسانية نبيلة عنوانها الحوار والتواصل وتدبير الإختلاف والتوعية بصحة البدن والنفس، مرورا بقيم غايتها بناء الإنسان الصالح المصلح لنفسه ومجتمعه وتلك العفة والسمو وإعلاء الميول حتى عن اللمم قدر الإمكان بله كبائر الخطايا والذنوب وهي مما يمكن من خلق مواطن نظيف عقلا وسلوكا ووجدانا خاصة إذا أضفنا إليها دعوة البرامج والمناهج التربوية من خلال الكتاب المدرسي إلى الانخراط في الحياة الاقتصادية للإسهام في تنمية عالم المال والأعمال كالعقود العوضية والتبرعية وفلسفة الاستخلاف في المال في التصور الإسلامي. وتلك قيم تؤسس للفاعلية والانخراط في الحياة العامة بإيجابية وتهدف إلى خدمة الصالح العام بعيدا عن السلوك المتطرف الذي من أسبابه غياب التأطير الإيجابي وكأننا بكتاب التربية الإسلامية تكوين مهني Professional formation في شقه النظري للطالب والتلميذ في المرحلة الثانوية التأهيلية.

أما مفاهيم ومكونات مادة التربية الإسلامية على مستوى الثانية من سلك الباكلوريا فسطرت برنامجها من خلال ما يلي:

 قيم ذات بعد منهجي [ دروس الوحدة الأولى]

قيم ذات بعد فكري [ دروس الوحدة الثانية]

قيم ذات بعد حقوقي [ دروس ذات بعد حقوقي ]

قيم تؤهل للانخراط في الحياة الاجتماعية بكل ثقة.

وتلكم القيم على تنوعها تحمل نفحة فلسفية عميقة جدا، نكاد نجزم أن نجاح المدرس في حسن توظيفها بحيث ينال المتعلم حظه منها هو نجاح مجتمع بأكمله بل هو جيل جديد بواصفات الإنسان الإنسان.

كل هذا نقول ولا ننفي إمكان وجود هانات بالكتاب المدرسي وقد نبهنا على ذلك قبل. إلا أن الحكم يكون بمقتضى ما غلب، وخير الكتاب غالب على نقصه في تقديرنا المتواضع. تلكم كلمة حق تفضلنا بها قبل أن تكون بين أيدينا النسخة الجديدة لكتاب التربية الإسلامية خلال الموسم الدراسي 2016/2017.

هذا ومع التسليم بأن جميع المواد المدرسة لا تخلو من قيم، إلا أن مادة التربية الإسلامية هي مادة القيم بامتياز لأن المادة في جوهرها بعيدا عن حصرها في المفهوم الضيق الذي عند البعض تستوعب جميع المواد وتنفتح عليها وتنهل منها فعلوم العربية لها ارتباط بخدمة القرآن الكريم والعلوم الشرعية عامة. وفيزياء الكون وعلوم الحياة والأرض لها ارتباط وثيق بموضوعات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. وكذلك يمكن أسلمة العلوم الأخرى منها الرياضيات والفلسفة والتاريخ والجغرافيا وعلوم السياسة والاقتصاد وشواهد ذلك كثيرة.

The Islamic religion is characterized by comprehensiveness and establishes common human values because it is a universal religion that encourages openness to the world

 وفي تقديرنا المتواضع فإن تهويل أمر المراجعة والسعي وراء صياغة توجيهات للتربية (الدينية) يعتبر من قبيل ما تنهى عنه الفطر السليمة والعقول الحية وذلك “أن يحرث الإنسان فوق أرض محروثة” لأن ما تضمنته من عناوين ومضمون عام ليس ببعيد عما أقرته التوجيهات والبرامج الخاصة بالتربية الإسلامية في صيغتها القديمة. وعلى سبيل الإجمال فإن كتاب التربية الإسلامية بمستوياته الثلاثة [ بالثانوي التأهيلي ] فيه من الثراء القيمي ما تعجب له عند النظر.

 ختاما مع أن المسألة هذه تحتاج إلة مزيد من البسط والتحليل إلا أن تشجيع الإسلام أصالة والكتاب المدرسي تبعا على التطرف  ـ كما يرى بعض المشوشين ـ يشبه قصة الذئب مع الحمل. ذلك أن التطرف يتجاوز براءة الآدمية، فهو تخطيط  فوقي يكاد لا يرى بالعين المجردة، إنه  فن نشدان المراوغة وممارسة السياسة يتم تسويقه كلما دعت الضرورة، بهدف غسل دماغ الشباب من فكرة التدين، وتكميم الأفواه، وقتل همة السعي في خدمة الدين لدى من تتوسم فيهم الأمة خدمة مشروعها.

لم أكن كتبت وفقط ولكنني كتبت لأسجل موقفي. تذكروا أنني مررت من هنا بهذه المعاني، التي أرجو لها التوفيق.

                                            بقلمي، عزيز هادي ( فكر وتواصل)


اترك تعليقاً