الدين ( religion ) ليس رسوما تحفظ وفقط، بل هو جسد وروح؛ جسده النصوص التي تؤطر حياة الناس، وروحه المعاني التي يجتهد العقل في فهمها، والوصول إليها. ولو فهم الناس عمق دينهم لساد الهدوء أماكن كثيرة.
نحو فقه اجتماعي جديد: فقه المقاصد.
يقع السؤال عن المقاصد الشرعية عموما، وعن مقاصد المكلف خصوصا معرفيا ومنهجيا، أما مقاصد الشريعة العامة، فقل إنها تكاد تكون قتلت بحثا، ليس إلا بعض ما ينضاف إلى بنائها النظري، على سبيل التكميل والتزيين. وأما مقاصد المكلف فبقي معها هذا الإشكال –المعرفي المنهجي- بحكم قلة من بحث الموضوع، قاصدا إلى وضع بناء نظري واضح المعالم. وبحكم ارتباط الموضوع بجزئيات كثيرة من الدين، قل إنها أساس الدين كله.
ومن هذا المنطلق، كان البحث في قصد المكلف، بحثا في تصحيح المفهوم والتصور والسلوك، في ارتباط بتفاصيل الشريعة العامة والخاصة. وهذا الذي نبهنا عليه، محض إشكال ما يزال عالقا، وسيظل- في تقديري المتواضع – ما كان الجهد المستفرغ لتجاوزه فرديا لا جماعيا. وذلك معناه أن البناء النظري لمعالم قصد المكلف، تنضاف إليها معالم بناء نظري لما نحب أن نسميه بالقصد الاجتماعي (قصد المكلفين في إطاره التعاقدي ) أمر في غاية التعقيد ليس معرفيا أكثر ولكن منهجيا.
إشكالات منهجية:
إن ارتباط قصد المكلف بكثير من تفاصيل الشريعة، وقضايا المجتمع الإنساني، من سياسة واقتصاد واجتماع، يضعنا أمام التراكم المعرفي في حقل الشريعة. والإشكال هنا ليس في هذا التراكم، وإنما الإشكال في كيف ينتظم في سلك من المعالم حتى يشكل بناء نظريا – كما نرغب – يساعد على تخطي عقبة المعلومات المتناثرة التي تختار تناول الموضوعات عفوا، دون أن تقصد إلى بنائها بناء محكما، وذلك الجانب المنهجي.
من هنا يظهر أن الاجتهاد المقاصدي عموما، أمر ذو بال. وقد علمنا من خلال قراءاتنا، أن إيلاء الجانب الاجتماعي في إطار الفكر المقاصدي حظه من الدراسة، من الأهمية بمكان، وما أحسب أن أحدا حاول بناء إطار نظري لقصد المكلفين، ليس إلا بعض التنبيهات عند القدماء والمحدثين عن ارتباط المقاصد بالمجتمع عموما كما بالأ فراد خصوصا. وهذا مثل ما ظهر عند الإمام الشاطبي في الموافقات، ومثل ما ظهر عند الإمام القرافي في الفروق. ومن المعاصرين على سبيل التمثيل الإمام الطاهر بن عاشور الذي كتب في :مقاصد الشريعة وقضايا التنظير الإجتماعي.
آفاق الكتابة في الموضوع:
ولذلك فإنني أمام عمل تركيبي منهجي، غايته وضع مقاصد المكلفين في وعاء المقاصد الشرعية، حتى تأخذ شكلها وتحتل موقعها ضمن عنوانها العام، وتسهم بشكل أو بآخر في إصلاح المفاهيم والتصورات والسلوكات لدى الفاعلين في الحقل الديني أفرادا ومؤسسات واحسب أنني سأقف على شيء من ذلك بتوفيق من الله سبحانه وتعالى.
ملحوظة:
كانت هذه الكلمة، نص مشروع الاستكتاب، الذي تقدمنا به إلى مجلة محكمة، تعنى بهذا النوع من المواضيع ذات الطابع التخصصي، لكن تأخر النشر، بدعوى عدم وجود مشاركات أخرى بالقيمة العلمية المطلوبة، جعلنا نتراجع عن منحهم ترخيصا بالنشر، بعد أن تلقينا إشعار بالقبول، وثناء على نوع وقيمة المشاركة، من اللجنة المكلفة بتقييم المشاركات العلمية، وهي لجنة مكونة من دكاترة بالعاصمة المغربية الرباط.
بقلمي، عزيز محمد هادي